عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2011, 12:06 PM   رقم المشاركة : 6
ابو فارس
 
الصورة الرمزية ابو فارس





ابو فارس غير متواجد حالياً

ابو فارس على طريق التميز


افتراضي

إبراز صفحة المنابذة
أبرز صفحة المكاشفة، وكشف قناع المخالفة، وسار على مدارج الغرور، وأثار كوامن الثبور. ما ظننت الجهل يستمر كل هذا الاستمرار، حتى يستوفي كتاب الخذلان، ويستغرق صحيفة الإدبار. قد هتك حجاب نفاقه، وأظهر مكنون شقاقه، فانحرف وخالف، وجاهر وكاشف، واظهر مكنون سره، وأبدى كامن شره، واقدم على العظمى، وصرح بجحد النعمى. كشف قناع الحشمة، وخرق حجاب الهيبة. بارز سلطانه بالمحادة، وجاهره بالمضادة، مستبدلاً بعز تذلله، ذل تعززه عليه، ومعتاضاً من أمنة سعيه في رضاه، خيفة مخالفته إياه.
استيجاب التكبر والمعاقبة
أما الكبائر التي تحكي عنه فالواحدة منها ترفع رخصة الحكم، وتبدي الهجنة في الصفح. قد جرت منه هنات اقتضت أن تعرف قدره، وتلقي بما يشجي صدره. قد أوجب مروقه من الطاعة، وفسوقه بغاية الاستطاعة، إن ترتجع عواري النعم من يديه، وتفاض ملابس النقم عليه. لا يغني فيه التوقيف دون التثقيف والتعليم، دون التقويم، والإعذار والإنذار دون الإيقاع والإيجاع. هو بعرض إنكار يسيل دموعه، ويقيم ضلوعه. قد استحق أن يحمل أثقال المعاقبة، ويعرف آيات سوء العاقبة. أنزله منزلة مثله ممن أساء حفظ الوديعة، وجوار الصنيعة، فاستوجب نزعهما منه، وتحويلهما عنه. ضاق به كنف العفو، وحقت عليه كلمة الطو. قد اسودت صحيفته، وأغلق باب التوبة دونه، وحيل بين العفو وبينه. عثراته محظورة على الإقالة وهناته تجني له ثمر الضلالة.
الأبراق والأرعاد
سيعلم المخذول كيف يرمي بحجره، وتشبع الوحوش من جيفته ونفره، الأهب لا ستيصاله مأخوذة، والسيوف لقتاله مشحوذة. سيبلغ في بابه ما يتأدب به كل جامع في عنائه، وطامح إلى ما ليس من شأنه. ستراه وليست له عينى طارفة، ولا جثة واقفة لأكشفنه لكل ليل بارد، ونهار واقد. سينزل بأولئك الأغمار قاطعات الأعمار. إما ذل واستكان، وإما هلك قتل قد كان. قد تكون للباطل جولة، وللفساد مهلة. ثم تأتي من الإنتقام والاصطلام، ما يسقط الهام على الاقدام. أما فلان فسيراق على الضلال دمه، وتتطاير على الجذوع رممه. لم يدر أن العزيمة من مولانا تترك أمثاله مثلا، وتجعله لأهل الشقاق مثلا. أما علم أن مولانا إذا رماه بشعبة من أفكاره ومسه بجذوة من ناره. عاد حرصه ندما. وصار وجوده عدما، وغودر أشياعه بددا، بل طرائق قداد. أتدرون ويحكم في أي حتف تورطتم وأي شر تأبطتم. إما فطمكم عن رضاع الحيف، وإما حسمكم بغرار السيف، تمثل هذه المقانب وتصور هذه الكتائب، وأخطر ببالك قلبها، فإن قلبك يدل على حالك، وميمنتها فإن يمينك تتقاصر عن شمالك؛ وميسرتها فإن اليسرى تتراجع عن أمورك، وجناحها فإنك تجنح عن كافة شؤونك.
احتشاد العدو
حشر وحشد، واستمد واستنجد واستعد، كاشف وبادى، وحشر فنادى، حشد وحشر، وضم ونشر، وجمع أطرافه، وألف ألفافه. قد استنفذوا قواهم في تكثير العدد، وتوفير العدد. وتقديم المراصد، وتوكيد المكائد. جمعوا شوكهم وشجرهم، وجروا مدرهم ووبرهم، واستنفذوا قواهم وقدرهم. نفضت تلك البلاد أحرارها وعبيدها، وأخرجت عدتها وعديدها. رمت تلك البلدة بأفلاذ كبدها، وأخرجت أرضها أثقالها من عديدها وعددها. أسألت تلك البلاد سيلها، وجمعت من أسلحتها نهارها، ومن سوادها ليلها.
ذم جيش العدو
زحق إليه بما احتطب في ليله، وقمش من غثاء سيله. نهض بمن جمع من فراش النار، وأوباش الأمصار. اغتر بما اجتمع إليه من فل الخيول، وغثاء السيول، ورذايا الملاحم، وبقايا الصوارم. تنابحت إليه كلاب الغارة الشعواء، وتعاوت لديه ذئاب الصيلم الصماء. خرج بمن لف لفه، وصافح على الضلال كفه من أشياع الغوايا، وأتباع الغواية. جمع من جمع من فراش النار، وخشاش البوار. أولئك الكلاب الغاوية، والذئاب العاوية. عصبة الضلال وعصبة الخبال. تلك العصبة المعصوبة بالثياب، المغصوبة على الألباب. كل من معه من أصناف الأتباع، والعوم الرعاع. من لا يقيم له وزناً، ولا يتمثل له أمراً، وإنهم نصبوه سلماً لهم إلى الأموال المستهلكة، والمآكل الموبئة، والموارد المردية.
استهانة الأعداء واستحقارهم والتفاؤل عليهم
سحائب صيف عن قليل تقشع، وعروق باطل لا تمهل أو تقطع. لا تهولنك كثرة الارجاس فإنهم أزواد الضباع، وآكال السباع، ومشارع السيوف، ومراتع الحتوف. ما هي إلا صيحة واحدة، وزجرة راصدة، حتى تراهم كأن لم يغنوا في ديارهم، ولم يسمع بأخبارهم. وهو غرض الجوائح، وهدف الخواطف، واتباعه رجل جراد في ريح يوم عاصف. اقبل في شرذمة هي لجيوش السلطان بمنزلة البغاث للجوارح التي تعتدها لحمة، وتتخذها طعمة. هم فرائس الحمام، وأهداف السهام. ما منهم إلا جراد مجرود، وقنص مصيد أو مطرود، المتالف لهم راصده، وإليهم قاصده. ما منهم إلا نهزة الطالب، وفرصة الغالب، وطعمة الأكل، وجرعة الشارب. جاء في أقل لمة، وأضعف شرذمة. ونوازل الغير بهم محدقة، وسهام النقم لهم مفوقة.
قرب العدو من الهلاك
هو محاط به وكالمأخوذ بناصيته. قد أذن الله في قطع أكله، وأدناه من حاضر أجله. ما هو إلا فرصة اليوم أو غد، والهلك واقف له بكل مرصد. قد رصده ضوء الصباح وظلام الليل. لتجنه أرحام الأرض، أو ينشر من بطون السباع. والطير قد حص جناحه، ودنا اجتياحه. ما هو إلا صفاة آن قرعها بل قلعها، وقناة قد حان صدعها بل قطعها. دعائمه مخفوضة، ومرائره منقوضة واللعنة به مصعوبة، والهلكة عليه مكتوبة، قد احتفت به النوائب تصرف أنيابها، وصمدت له الحوادث تفتح أبوابها، وانحت عليه الخطوب تخطب بحتفه، ولذت به الصروف تأخذه من بين يديه ومن خلفه.
فيمن يسعى بقدمه إلى مراق دمه
قد طار بجناحه، إلى مواضع اجتياحه. يمشي إلى حتفه بأخمصيه، ويبحث عن مديته بيده. تحفزه إلى مصرعه الأضاليل، وتعجله إلى هلكه الأباطيل. استخفهم الحين المتاح، واستحثهم القدر المجتاح. جد بهم استعجال الآجال، وتصورت لهم المنايا في صور الأماني والآمال. ساروا وآجالهم تفسح لهم في مطامعهم، ومناياهم تحث مطاياهم إلى مصارعهم. أقدموا راكبين للغرر، مستسلمين للغير. تجذبهم كواذب الأطماع بمقاود نفوسهم، إلى مقاطع رؤوسهم، وتسوقهم بأزمة معاطسهم، إلى مظان متاعسهم. نقلهم الله بأقدامهم، إلى مصارع حمامهم. توجهت تلك العساكر المخذولة يسوقها راهن ضلالها، إلى انتهاء آجالها، ويقودها حاضر دمارها، إلى انقضاء أعمارها.
ذكر انخزال الأعداء ووهلهم واستيلاء الرعب عليهم قبل المحاربة
نصرنا بالرعب عليهم، حتى أصبحت المهابة سيوفاً خواطر في قلوبهم، وراحت المخافة رماحاً خواطف لنفوسهم، ملكه ذعر أراه دورة متسفة، وجيوشه مختطفة، وبلاده ممتلكة، ومعاقله منتهكة. أحواله قد تداعت، ونفوس أصحابه قد ارتاعت، تمثل له الأجل، فملكه الوجل، واستطاره الوهل، فلن يطول به المهل. ناوشوا بقلوب غمرها الوجل، وأيد قد أضعفها الوهل. فالسواعد غير مساعدة والأعضاد غير معاضدة. أخذت مبانيهم تتنقض، ودعائمهم تتقوص، وزنادهم تصلد، ورياحهم تركد. فلم يطو مولانا إليهم منزلاً إلا تضاعفوا ضعفاً وتخلخلاً، ولم يدن منهم منهلاً إلا ازدادوا وهناً وتزلزلاً. لا يمرون حبلاً إلا أوثقوا بقواه، وخنقوا بعراه، ولا يلهبون ناراً إلا عوجلوا بضررها، وأبيدوا بشررها. ساء صباحهم، وقرب اجتياحهم، وتطايرت فرقاً أرواحهم. أشعرت نفوسهم التلاقي، فبلغت التراقي، علموا أن القراع لا يثمر إلا قرع صفاتهم، والنزاع لا ينتج إلا نزع شباتهم. استبدلوا بالتطاول تضاؤلا، وبالتجلد تباعدا، ورأوا الأنوار ظلما، والأشخاص بهما، والآكام رجالا، والجبال خيلاً عجالا. لما رأوا الرايات المنصورة تخفق خفقت عليها قلوبها، وتمثل لها أن قد وجدت جنوبها. انزعج من مكانه بقلب هلوع، وروع مروع. أحس قرب الموت وضيق العيش، وضعف الجأش واضطراب الجيش. تقدمهم الأخبار وهم يتأخرون، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
مسير الملك في جيوشه والتفؤل له
سار مولانا والسماء تحسد الأرض لسيره، والنجوم تود لو سرت مع سنابك خيله. اقبل مسعود الكواكب، منصور المواكب. سارت تخرج معه الأرض أثقالها، وتسير الغبراء جبالها. نهض مولانا والأرض سائرة بمسيره، والأقدار صائرة إلى تدبيره. نهض والسعود تواكبه، والمناجح تصاحبه، ومعونة الله تقدمه، وصوائب العزمات تخدمه. جلل مولانا هذا الخطب عظم حركته، وغشاه كبر مسيره عن دار مملكته. فكادت السماء تميد إعظاماً لنهوضه، والأرض تسير مع خيوله. نهض مجرداً عزمه لقصدهم، ومحصداً رأيه في حصدهم. ركب في أنصار حقه، وأعوان ملكه، فكادت الأرض ترجف، والجبال تزحف، والأفلاك تقف، والكواكب تكف. سار بأسعد الطوالع والفواتح، وأحمد الميامن والمناجح، بجيوشه التي لا تحصرها الاعداد، ولا يقاس بها الأجناد، فحسبت الأرض ترحل برحيلها، وتسير مع حوافر خيولها. سار مولانا في جيوشه فخيلت الأرض مائجة، والبحار هائجة، والنجوم منكدرة، والسماء منفطرة، خرج والمناجح تطرق بين يديه، والميامن تسير حواليه، وآيات الظفر تقرأ من ذوائب أعلامه وبنوده، ورايات النصر تخفق على مراكبه وجنوده. أقبل والإقبال حاجبه، والنصر صاحبه، والصنع مصاحبه والظفر يقدم أعلامه، والقدر يخدم أيامه. نهض والسيول تقصر عن دهماء جيوشه وجنوده، والنجوم تغمض من ضياء ألويته وبنوده، والنجح يقرأ من نواصي خيله، والأرض تضحك عن آثار عدله وخيره. سار معبي الجيش، رابط الجأش، أصيل الرأي والحزم، ملتئم التدبير والعزم. زحف إليهم رحفاً، ملأ قلوبهم رجفا، استقل به الميسر شائماً بروق العز، مقدماً كتائب الرعب، مستصحباً مفاتح النصر. أقبل والدنيا تسير بسيره، وخدود النجوم في سنابك خيله. سار يقدمه جند من الرعب والذعر، ويتبعه مدد من الصنع والنصر. اقبل في مراكب أعلامها تخفق بالنجح، وطبولها تنطق بالفتح. برز وقد جهز أود الملك من حماته، واعيان الأرض من كماته، وراياته تكاد تنطق بالنجح، ويملي بأسنتها كتاب الفتح.
وصف الجيش بالكثرة والشوكة والنصرة
خيل، كقطع الليل، ورجال، خلقوا لقطع الآجال. جيوش ترجف لها الأرض، ويستوي بها النشر والخفض، خفت الجيوش فخلت الجبال سائرة، والبحار ثائرة. جيوش يرون من الكثرة قطع ليل أسفع، ومن الحديد وجه نهار قد متع. مواكب ضاقت عنها مناكب الأرض، ذات الطول والعرض. جيوش يغض بها الفضاء، ويستكين بها القضاء، وتضيق عنها الأوطار، وتخشع لها الأقدار. جيش كالليل، بكثرة الخيل، وكالنهار، بوضوح الآثار. عساكر تتتابع أفواجها، وتتدافع أمواجها. جر إليهم جبال الحديد، وأطلق أعنة الأسود السود. عساكرهم آساد وبحار، وأقضية وأقدار، وجبال أطوادها همم ونفوس، ونجوم أسلحتها أقمار وشموس. ملأ الملا خيلاً ورجالا، تحمل أوجالاً وآجالا حسبت الأرض ترتحل برحيلهم، وتسير مع حوافر خيولهم. طلعت على أعداء الله المطايا، عليها المنايا، والسيوف، في ظباها الحتوف. بادروا أفواجاً وأرسالاً، وانفروا خفافاً وثقالاً. عسكر وافر المدد، كثير العدد كثيف العدد.
وصف الأبطال والشجعان وأبناء الحروب
كل باسل قد تعود الأقدام، حيث تزل الأقدام، وشجاع الإحجام، عاراً لا تمحوه الأيام. سيفه أم الآجال، ورمحه يتم الأطفال. ما لسيفه غير الرقاب، قراب إذا أفاض قداح القتال قمر آجال الرجال. قد ملأ الأرض دماء، والسماء هباء. حجل الخيل بدماء أعاديه، وجعل هاماتهم قلانس رماحه. نهض كالليث الحادر، والشجاع الثائر، والحسام الباتر. عقبان خيول فوقها اسد جنود. ابناء الحروب الذين نشأوا فيها، وارتضعوا لبانها، وعرفوا مراسها، وألفو مساسها، كالأسود إقداما، والنيران اضطراما. بأمثالهم تشحن أطراف الصفوف، وعن قسيهم تصدر رسل الحتوف. رماحهم ظماء، وشرابها دماء، وسيوفهم هيام، ومشارعها نحور وهام، خيولهم سوابق الفوت، وسهامهم برد الموت، وحملاتهم آتي السيل، ومجيئهم مجيء الليل. لا يملون الشر إذا خرست الأبطال، ونطقت الرماح الطوال. أبناء الغايات، وليوث الغابات. اقبلوا كالليوث الخوادر على العقبان الكواسر. ما منهم إلا سيف الضريبة، وليث الكتيبة. آحادهم نفر، وأفرادهم زمر. الحرب دأبهم، والجد آدابهم، والنصر طعمهم، والعدو غنمهم. قلوب أسود في صدور رجال، ورياح زعازع في ثبات جبال. هم على الأعداء بلاء واقع، وسم ناقع. يصيبون الثغر من بعيد، ويدخلون بين زبر الحديد. يقرون والأقدام زيال، ويخفون وهم على الأقران ثقال. انياب الدولة وأعضادها، وكماتها وأنجادها.
ذكر الاولياء والأعداء معاً
التقوا فقلبت ريح الإقبال لأولياء الله، ودبرت ريح الإدبار على أعداء الله أولياء الله معتمدون بالمنائح الزهر، واعداؤه مترصدون بالمنايا الحمر. كانت للأولياء الأثرة، وعلى الأعداء الدبرة. جد الأولياء بقلوب قد غمرها اليقين، وأيد قد بسطها التمكين، وبيت الاعداء وقد بسط لهم الغرور آمالهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم. فاز أولياء الله بأجر المجاهدين، وباء أعداء الله بوزر المعاندين. ازداد الأولياء شدة مراس، وقوة باس، وثبات مقام، وصدق انتقام. وابتدأت أعداء الله تنثلم مواكبها، وتضعف مناكبها، وتنخفض أعلامها، ونتنتقض أبرامها، وترى بأسلحتها أغلالاً توثقها وتوبقها، وأنكالاً ترهقها وتزهقها.
تعبية الجيوش وترتيبها
رتب مولانا المقادم عموماً وخصوصاً، وعبى المقانب بنياناً موصوصاً. أمر بتسوية الصفوف التي لا خلل بها، وانتضاء السيوف التي لا خلل لها. عبى جيوشه ميامن تضمنت اليمن، ومياسر اتبعت اليسر، ووقف في القلب بقلب يسع الرمال، ويرجح الجبال. رتب فلاناً ومن برسمه في ميمنته التي يقارنها اليمن والنجاح، وفلاناً في ميسرته التي يصاحبها اليسر والفلاح، وصار هو وقواده قلباً قالباً لما قالبه، ناكساً لما واجهه.
تلاقي الجيشين وكشف الحرب عن ساقها
تلاقى الجيشان فاصطف الجيل والرجل، وامتلأ الحزن والسهل، وبرقت الأبصار بشعاع السيوف، وسفرت رسل الحتوف بين الصفوف. تراءى الجمعان، وأفضى قرب العيان، إلى قرب العنان، والتهبت جمرة الضراب والطعان. اشتبكت الحرب تصرف نابها، وتكشف ساقها، وتضرم نارها، ويشد نطاقها. التقى الجمع بالجمع، وقرع النبع بالنبع. دنا العنان من العنان، وأفضى الخبر إلى العيان. سارت الجموع إلى الجموع، وبرق البصر بلمعان الدروع، وحمي وطيس المراس، ودنت التراس من التراس.
اشتداد الحرب وحمى وطيسها
دارت كأس الموت دهاقا، وعاد القرن للقرن عناقا. بلغت القلوب الحناجر، وشافهت السيوف المناحر. هاجت الهيجاء، وعز النجاء، وصار الترامي عناقا. التلاقي اعتلاقا. صمتت الألسنة، ونطقت الأسنة، وخطبت السيوف على منابر الرقاب، وأقدمت الرماح على الخطط الصعاب. اعتنقت الصوارم والمناصل، وتلاحقت القنا والقنابل، واشتد أزر المصاع، وتكايل الشجعان صاعاً بصاع. قدحت نار القراع، وجالت قداح المصاع، تلاقت الفرق، واشتد الفرق، وصار الفارس إلى الفارس أقرب من ظله، والسيف أدنى إلى الوريد من حبله. استعرت الملحمة، وعلت الغمغمة. فدارت رحى الحرب، واستحرت جمرة الطعن والضرب، واشتجرت سمر الرماح، وتصافحت بيض الصفاح. احمرت الحلق، من العلق. ضاق المجال، وتحكمت الآجال. لم ير إلا رؤوس تندر، ودماء تهدر، وأعضاء تتطاير، وأجسام تتزايل. التقى الصفان، وبرزت الأقران للأقران، وخطبت الصوارم على منابر الأعناق، وسفرت السهام بين القسي والأحداق.
أعمال الأسلحة
رشق شبه فيه ترادف النبل، باتصال الوبل، وزرق أعاد الدعج زرقا، وأوسع الأهب خرقا. رشقوهم بنبال، تتحمل قطع الآجال. واتخذوا النبل رسلاً مؤدية ما حملت، ورسائل مبلغة ما أودعت. ما منهم إلا رام لا يخطيء الأهداف، ولا يتجاوز الشغاف، تجوز نبالهم الدرق إلى الحدق، وتنفذ إلى الحلوق من خلل الحلق. أتتهم السهام كرجل الجراد، والزانات الجداد كذا صادرة عن السواعد الشداد. أوسعوهم ضرباً ومشقا، وطعناً ورشقا، وجرحاً وزرقا. ضربه بعض الغلمان ضرباً رعلا، وثناهم بعض العرب بطعنة نجلا. تواصت الضربات، بين زرق بالزانات لا يعرف إنصافا، وضرب بالمرهفات يفلق الهام أنصافا. أخذت الرماح تطير شررها، والرؤوس تفارق قصرها. ثملت الرماح من الدماء فتعثرت في النحور، وتكسرت في الصدور. اشتجرت سمر الرماح، وتصافحت بيض الصفاح. سيوف أغمادها الرؤوس والطلى، وجفونها القلوب والكلى. قد أخذت السيوف نفوسهم، وأثمرت القنا رؤوسهم.
حسن الغناء في الحرب والإيقاع بالأعداء وشدة النكاية فيهم
قابلوا الجلاد بالجلد، ونابوا عن أنياب الأسد، وأعطوا الجهاد، أوفى حظوظ الاجتهاد. أجملوا البلاء، واحسنوا الغناء. بلغوا في اقتناص الأعداء أقصى المبالغ، ووطئوهم وطء القامع الدامغ. أبلوا بلاء الأبطال، وابطلوا كيد الأعداء. إن الأبطال زحموا الأعداء من جوانبهم، وتمكنوا من فض مواكبهم، وطئوهم بسنابك الخيول، وتركوهم كجفاء السيول. صبوا عليهم سوط عذاب، وأسلموهم لعوادي تبار وتباب. وقائع هدت قواعد بنيانهم، واشابت نواصي ولدانهم. طحنوهم طحن الحب، وجعلوهم داريا الطعن والضرب. وثبوا عليهم وثوب الأسود، وتركوهم كالزرع المحصود. نكوا فيهم نكاية القضاء والقدر، وأثروا فيهم تأثير النار في يبيس الشجر. شربوهم شرب الهيم، وحطموهم حطم الهشيم، وتركوهم كالرميم. تجردوا لهم فحطوهم وحطموهم، وهزوهم وهزموهم، تركوهم موطيء الحوافر، ومورد الكواسر، ومغدى الضباع، ومراح السباع. قصدوهم فأقصدوهم بأيدي الغير، وحصدوهم حصد الشوك والشجر. طفقوا ينقضون عليهم كالأجادل، ويقذفونهم بالجنادل. أقدموا عليهم إقدام السيل، ونسخوهم نسخ النهار لليل.
هبوب ريح النصر
حتى إذا ضاق المجال، وتحكمت الآجال. أهب الله لمولانا ريح النصر، وحكم لحزبه باللعلو والقهر، ولما بلغ كتاب المهل آخره، أجرى الله للواء المنصور طائره. برقت لامعة النصر، وحانت ساعة القهر. ما انتصف النهار إلا وقد انتصف الله للحق من الباطل، وكنفنا بالأيد القاهر، والنصر الشامل. هبت ريح النصر فأنجز الله لمولانا وعده، وأظفر جنده، وحفظ عاداته عنده. لاحت غرة الفتح، ووضحت وضوح الصبح، واشرقت صفحة الظفر، إشراق الشمس والقمر، ولما هبت لأشياع الدولة ريح النصرة، علت بهم يد القدرة فأتبعوا أدبار المارقين، وآووهم دار الفاسقين. جاء نصر الله والفتح، ونزل الظفر والنجح.
انجلاء المعركة عن القتلى والجرحى والأسرى والهزمى
انجلت غبرة المعركة، وقد أحاطت بالشقي يد المهلكة. اقتسم شيع الطغيان بين اجتياح سريع، وقتل ذريع، واسر موثق، وحصر موبق، ولم ينج إلا شرذمة لاذت بذمة الهرب، ولن تفوت يد الطلب. بين قتيل قد عجل الله بروحه إلى دار جزائه. واسير قد أوثقه ما ارتكبه بسوء رأيه، ومنهزم أطار الرعب قلبه، وسلب الخوف لبه. بين قتيل استأثر به الحمام، وأتى عليه الاصطلام، وجريح قد عاين طروق المنية، دون بلوغ الأمنية، ومنهزم لا يستبقيه الهرب، إلا بمقدار ما يناله الطلب. قسمهم أولياء الله بين قتيل تبوأ من النار محبسه، ومول جعل ثوب العار ملبسه، واسير حبس على حكم الشريعة، ومستأمن ألحق بأهل الصنيعة بن قتيل موسد، واسير مصفد، وهارب مطرد، ومستأمن مقيد، بين قتيل متشحط بدمائه، وجريح متقلب بذمائه، بين قتيل مرمل، وجريح مجدل، واسير مكبل. لم ير من أشياع المخذول إلا أسير موثق،وجريح مرهق، وقتيل مطرح، وشريد مطوح. إلا أسير وحسير، وقتيل وعقير وجريح وقريح، ومرمل ومزمل، ومقبور ومثبور. تقرقوا بين أسر أحاطت بالرقاب جوامعه،وجرح تحكمت في الأجساد لواذعه، وقتل دنت من الأشقياء مشارعه. قيل لأولئك الأغماز، القصار الأعمار: شاهت الوجوه وهبت لهم الدبور بين هشيم ورميم، وقتيل وأميم، وجريح ورهين، وأسير مع قرين.
ذكر القتل والقتلى
انكشف الهبوة عن فلان وقد سبقت الصفاح، فيه موضع الاستفتاح. قضت منهم الرماح أوطارها، وبردت السيوف أوارها. سكنت النفوس بقتله كما سكنت نفس الإسلام، بقتل أبي جهل بن هشام. مقتلة نقعت ظمأ الأرض، وأزالت سغب السباع والطير، صلي قبل حر النار بحر المناصل، وسقى الأرض من دمه بطل ووابل. استبدل من أمله، حضور أجله، واستعاض من شهامته، تسليم هامته. قد غضت يقتلاهم حلوق الأرض، واحمرت من دمائهم متون الترب، بطون الأرض اعمر بهم من ظهورها، وحواصل الطير والسباع أحصن قبورها. عدم برد الحياة، وذاق حر المرهفات. جرت من دمائهم أنهار، ولم يطلع عليهم نهار. اريق من دمائهم ما احمرت منه الأرض وجرت به الأودية، ودارت عليه الارحية.
سوء أحوال المنكوبين والمحاط بهم
أوحى الله إلى أرضه أن تنخسف، وإلى فرسه أن يقف. قص جناحه، وأنهر جراحه. ألقاه الله في الشبكة، ورماه بالهلكة. رماه الله بالقارعة المبيدة لجمعه، البليغة في قمعه. قلعت شأفته، وقطعت آفته. لم يبق له مفحص قطاة، ولا مغرز قناة. أنزلهم الله من آمال، إلى آجال، وأوردهم من مطالع، إلى مصارع عليهم الدبرة، وعلى وجوههم الغبرة. مكبوب على مناخره، مطعون في مناحره، قد طال حصاره، وغاب أنصاره، وسقطت دعامته، وقامت قيامته. قد بلغت روحه التراقي، ووعدته منيته التلاقي. ضرب عليه الإدبار سرادق الدمار، ومد عليه الخذلان رواق سوء الاختبار هو جزر السيوف القواضب ولقى بين أنياب النوائب.
الأسر والاسرى وتشهيدهم
لم ينج من ودائع الأغماد، إلا من حصل في جوامع الأصفاد. حصلوا في قبضة الإسار، وكفة الخسار. نشب في حبالة الانتقام، وشرك الاصطلام. يا حسنه في زوال النعمة، وركوب النقمة، بوجه قد علس، ورأي قد برنس كذا قد أركبوا الفوالج، وتركوا بالتشهير عبرة الناظر، ولعنة الماقت. أوردوا مقرنين في الاصفاد، وتركوا عبرة للساعين في الأرض بالفساد.
هلاك الأعداء وفناؤهم
صاروا كرميم وهشيم، طاح في ريح عقيم. اصبحوا كالزرع المحصود، وصاروا حديثاً مثل عاد وثمود. صاروا جزر السباع والطيور، ورهن الدمار والثبور. لمم يبق لهم جثة واقفة، ولا عين طارفة، ولا روح تسري في جسد، ولا شخص خلق على كبد. حصدوا حصدا، وخبطوا بالسيوف خبطا. فلم يبق منهم صافر، ولا نجا منهم أول ولا آخر. أخذتهم الصاعقة، وحلت بهم البائقة، فلم يبق منهم نافخ نار، ولا رافع منار.
فيمن نجا برأسه وقد كاد يوخذ
استنقذ الأجل ذماءه من ظبى السيوف وقد شارفته، وشبا الحتوف وقد شافهته. عرض على الموت عرض المحتضر، ثم أخر لأجل منتظر. نكص على عقبيه وقد كادت صروف الايام تفترسه، وانياب الحمام تنتهسه. نجا برأسه وقد فغرت المنايا أفواهها إليه، وكادت أظفارها تنشب فيه. فأخر لأجل مضروب، وانسئ لأمد مكتوب. استنقذه تاخر أجله من أنياب القواضب، ومخالب النوائب، ونجا بحشاشته وذماؤه على تلف، وشفافته على شرف.نجا بروحه التي هي رهينة غيها، وصريعة بغيها. لم يبق منه إلا شفافة أخطأت براثن الأسد، وبقية هي هامة اليوم أو غد.
ذكر المنهزمين ووصف أحوالهم
طاروا بأجنحة الرعب لا ينثني آباؤهم على أبنائهم، ولا يلوي سراعهم على بطائهم. طاروا بأجنحة الوجل، وتصوروا حاضر الأجل. نكصوا على الأعقاب، وطاروا بخوافي العقاب. اجفلوا إجفال النعام، واقشعوا إقشاع الغمام. سبقوا الطلب باقدام الفرار، وتوقوا مواقع السيوف بملابس من العار. تمزقوا في البلاد كما يمزق الريح رجل الجراد. عاينوا هول المطلع فولوا الادبار، وتجللوا الإدبار، وطاروا كل مطار. تتقلب بهم المزال والمداحض، وتساقطت بهم قواهم النواهض. لم يشعر به حتى صار جنيناً قد واراه بطن الليل، طار كهباء الريح وغثاء السيلز نفض يده بالخميس، وأعرب ببرد الهرب عن حر الوطيس. تشتتوا أيدي سبا، وتفرقوا جنوباً وصبا. فلت شباتهم، وجمع على الذل شتاتهم، وحاق البلاء بهم، وحقت كلمة العذاب عليهم، ونكصوا خائبين، وانهزموا خائفين. تفرقوا في جهات المهارب، واعتصموا بالأنهار والمسارب. نفتهم الأرض من مناكبها، وضاقت عليهم من جوانبها. جعلوا يتسللون من أثناء الأنهار، وكل ينهار في جرف هار. طار بين سمع الارض وبصرها. لا يدري ما يطا من حجرها ومدرها. هام على وجهه لا يدري أفي الأرض يطلب مدخلا، أو في السماء يلتمس معقلاً وكلاً كذا فإن تخومك الأرض تسلمه، ونجوم السماء ترجمه. تطاير حشدهم الفجرة، كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة. طاحوا كل مطاح، وطاروا بأجنحة الرياح. لا يجدون في الخضراء مصعدا، ولا على الغبراء مقعدا. لم تلقهم أرض، ولم يسعهم طول ولا عرض. لفظتهم البلاد، ومجتهم البقاع، إلى حيث لا استواء قدم، ولا اهتداء بعلم، ولا سماء تظلهم أو تجنهم، ولا أرض تقلهم أو تكنهم. طاروا بقوادم وجل، وطاحوا بين سقوط أمل، ودنو أجل. استبدوا بمسكة العزائم، هتكة الهزائم. نكصوا على الأعقاب يرون الأشخاص كتائب تختطفهم، والأشباح مقانب تنتسفهم. لما ترامت بهم البلاد تآمروا بينهم يتعاذلون، وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون. هزيمة قوض الله بها عروشه، وفض جيوشه، وضلل وساوسه، وأبطل هواجسه. هزيمة فرق الله بها جمعه، وبدد شمله، وعجل قمعه. غاض في بعض الغياض مخفياً لشخصه، مشفقاً على نفسه. صفراء لم يصحبه صافر، ولم ينج معه طارف ولا باصر. كلما هبت عليه هابة ريح حسبها خيلاً تكر عليهم، أو رجلاً تبتدر إليهم، وكلما عنت عليه عانة أرض ظنها براً ينخسف به، أو بحراً يحيط به. لو وجد في الأرض نفقاً لأولجه فيه شدة روعه، أو في السماء مرتقى لأعرجه إليه نخب روعه. الحمد لله الذي ردهم في أكفان من المذلة، وقبرهم في لحود من الخوف والوحشة.
ذكر ركوب الأولياء أكتاف المنهزمين وقرب متناولهم على الهلاك
ركب الأولياء أكتافهم يشلونهم شل النعم، ويفرونهم فري الأدم، ويذكونهم كهدايا الحرم. لم يزل الطالب راكباً أكتافه، وقابضاً أطرافه، حتى زخ به الحذار في يوم وليلة، إلى موضع كذا بعد أن انتظمت الطرق إليه بجيف أصحابه ورذايا خيله وركابه، ركب الأولياء أكتافهم وعيون المنايا ترصدهم، وأيدي الحتوف تحصدهم. أمر فلان بأن يبعد في آثارهم فلا ينهههم، ويجد في طلبهم فلا يرفههم. لتعجلهم صدمته عن التوصل إلى الاستراشة، والتمكن من الاستجاشة. هاموا على وجوههم يرجون الخلاص ولا خلاص، وياملون النجاة ولات حين مناص. فإن الطلب من ورائهم على أحشاد، وما أعد الله لأمثالهم بمرصاد. طار فلان بجناح الفرار، متلفعاً بالذل متقنعاً بالعار، والخيل مغذة في طلبه، وموعودة الظفر به. فإن قضاء الله كالليل الذي هو مدركه، ومفاجئه فمهلكه. ركب الأولياء أكتافهم، وتحيفوا أوساطهم وأطرافهم، وغنموا أثاثهم وأسبابهم، وظهورهم ودوابهم. ما هو إلا دريئة الهرب، وفريسة الطلب. أنى له المقام ورماح الطلب نحوه مشرعة، وخيوله إليه مسرعة.
ذكر الغنائم
غنموا أموالهم التي لم يؤدوا فيها حقاً معلوما، ولم يغنوا بها سائلاً محروما. غنموا أموالهم التي احتجنوها فاختزنوها. استولى الأولياء وغنموا، وكلموا وما كلموا. غنموا ذلك الحطام، المجموع من الحرام، المثمر من الآثام، المقتطع من فيء الإسلام. غنموا أموالاً إن ذكر قدرها، استشرف أمرها، وكيف بذلك والذهب حتى الآن يكال بين الأولياء كيلا، ويهال بين الغانمين هيلا. غنم الأولياء ما بقت لهم الحوادث، وأسأرت عندهم النوائب من أمهات الذخائر والعقد النفائس. قد صارت أموال الأعداء غنائم لهم لا تحصى كثرة، وعادت على الفاسقين مظالم وحسرة.
ذكر موت العدو
أفضى به سوء العاقبة إلى العذاب الأليم، والمال الذميم، وسكنى الجحيم، وسقيا الحميم. قضى نحبه، ولقي بأسود صحيفة ربه. جراحة أتت على نفسه، ووسدته في رمسه. آل أمره إلى وبال، وانحلال واضمحلال، قبض إلى أخراه على النفاق، كما عاش في دنياه على الشقاق. مضى لسبيله يقدمه الخزي، ويتبعه اللعن، ولا تبكي عليه السماء ولا الأرض. قبضت. نفسه الخبيثة على ضلال وخبال، وسوء حال ومال. تقطعت وسائل بقائه، واتصلت حبائل فنائه.
سلامة الأولياء على الحرب
عادوا منصورين موفورين لم تمسسهم جراح، ولا عضهم سلاح. لم يمسسهم قرح، ولم ينلهم جرح. لم يصبهم ثلم، ولا مسهم كلم. لم يمسسهم سوء، ولم يشمت بهم عدو.
جلالة شأن الفتح وعظم موقعه وحسن آثاره
كتابي والزمان ضاحك السن، متظاهر البشر، والدنيا مشرقة الجو، مضيئة الأفق، للفتح الذي تفتحت له أبواب الشرف والمجد، وتفتقت أنوار الملك والعدل. كتبت والأرض ريا ضاحكة، والدنيا خضراء ناضرة، وفجر الإسلام عال ساطع، وسيف الإيمان ماض قاطع، والبلدان ملأى تهانيء وبشارات، والأولياء شورى بين أفراح ومسرات، لما بشر به كتاب مولانا من الفتح الذي نطقت به ألسنة الشكر، وارتاحت له أندية الفضل. قد جل هذا الفتح عن تطلب نعوته بتصريف الأقوال، وتفخيم شؤونه بضرب الأمثال، وصار التمويل على ما قد تمكن في القلوب من حاله، واستقر في النفوس من جلاله. لأن آثاره تنظم حاشيتي الشرق والغرب. الفتح الذي أصبح الإسلام به متسع النطاق، والعدل ممدود الرواق، والسلطان ساطع الإشراق. محروساً من عدوه المراق، ونزغة الشقاق. الفتح الذي تفتحت له عيون الزمان، وأشرق بأنواره الخافقان. الفتح الواضح قدمه على ناصية الشمس، الماحق بضيائه أنوار البدر، الضارب برواقه من فوق النجم، الجاثم بجلاله على رقاب الدهر، الماد يديه إلى الشرق، ينظمه إلى أقاصي الغرب. الفتح المبسوط بين المشرقين شعاعه، الممدود على الخافقين شراعه. أجل بشرى أسفرت عنها الأيام والليالي، وسفرت فيها البيض والعوالي.
?إشاعة خبر الفتح
أشيع خبر إشاعة اهتزت لها أعواد المنابر، وعرفها البادي معرفة الحاضر كتبت في إشاعته بما يملأ المسامع، ويشحن المجامع، ويعمر المحاضر، فيملك المنابر. قد أشعناه حتى لو عرفه الخاص من أخص المحاضر، وسمعه العام من صدور المنابر. شهر خبره في الخاص والعام، بين ألسنة المنابر وأسنة الأقلام. اهتزت له المجامع، وأصغت إليه المسامع، ووعاه الحاضر، وتزوده المسافر. طالعته بنبإ هذا الفتح الذي ينشر في المواسم، ويؤرخ في الملاحم، ويؤثر بين الغائب والحاضر، ويذاع على ألسنة المنابر.
?حسن حال البلدة المفتوحة والتخفيف عن رعيتها طهرها من شوائب الفساد، وأطلع فيها كواكب السداد، وأرخى من خناق الرعية، واستنقذها من أنياب الأذية. ابتسمت بلاد كذا عن ثغور الأمنة، وطالت فيها أنواع النصفة، وامحت دونها سمات الخونة، وجمع الله أهلها على مسالمة كشفت المحن، وعفت الإحن. استبدلت الرعية بشدة الوجل، قوة الأمل، وبانبساط الأبواع والأيدي عليها، انقباض الأطماع والعوادي عنها. سكنت الرعية، وانحسمت الأذية، ورتب العمال، وهذبت الأعمال. أطلع فيها كوكب العدل وكان خافيا،وأوضح لهم منهاج الأمن وكان عافيا. كأنما بدلوا من ظلمات نورا، وأعقبوا من موت نشورا. وصل إليهم برد الأمن وقد صلوا بحر الذعر. فرش النصفة وأفاضها، وبسط الرعية وأزال انقباضها، ووهب سقيمها لبريها، وظنينها لنقيها. أراح تلك البلاد من جامعة الضر والبوس، وظلمات الظلم العبوس. علمت الرعية أن العدل قد امتدت أبواعه، والجور قد نفدت أنواعه. فأيقنت بالخير الموفور، والانتقال من الظلمات إلى النور.
الأدعية السلطانية عند الفتوح والبشائر وغيرها
سألت الله أن يطيل بقاء مولانا موصول السلطان بالدوام، مكنوف الراية بالنصر والانتقام، مظفر الألوية والأعلام. ممدود الظلال على الخاص والعام. أدام الله أيامه مصرفاً أزمة الأرض، مالكاً أعنة البسط والقبض. أدام الله سلطانه مستولياً على الإيراد والإصدار، مخدوماً بأيدي الأقضية والأقدار. لا ينهد عزمه لأمر، إلا أسفر عن عز ونصر، ولا ينهض همه لأرب، إلا تجلى عن استظهار وغلب. لا زال يتناول أقاصي المراد، بقريب السعي والارتياد، ويبلغ مرامي المرام، بداني العزيمة والاهتمام، والله يديم له الفتوح يميناً ويسارا، ويزيد أعداءه ذلا وخسارا. لا زالت البشائر وفود سمعه يطرق بابه، وبرفع لها حجابه. أطال الله بقاءه مستولياً على ما تخطبه عزمته، وتقتضيه نعمته. أبقاه الله نافذ المكائد والعزائم، ماضي الآراء والصوارم. عالي اليد والراية، شامل الملك والولاية. حتى تجتمع له الأرض براً وبحراً في عقدة ملكه وتنتظم الخلق شرقاً وغرباً في صفقة ملكه، والله يبقيه لتذليل الخطوب إذا صعرت خدودها وأمالت أجيادها، وكثرت أعوانها ووفرت أعدادها، حتى يملك ما طلعت الشمس عليه، وانتهى هبوب الريح إليه. هنأه الله علو صيته في تدبير المقانب، وتحصيل المناقب. لا زال النصر يقدمه، والدهر يخدمه، والفتوح تصافحه، والمناجح تغاديه وتراوحه. أدام الله أيامه لحسم المعار عن الدنيا بأسرها، وقطع المضار عن الأرض وأهلها. منبسط الظل على النهار حتى لا تشب نوائبه، وعلى الليل فلا تدب عقاربه. أبقاه الله للدنيا والدين، وأخذ راية المجد باليمين، ولا زالت الأرض تحت تصريفه وتدبيره، والناس بين تقديمه وتأخيره. أدام الله له النجم صاعدا، والزمان مسعداً ومساعدا، مالكاً رقاب الخافقين، ومذللا صعاب المشرقين، ومصرفاً أزمة الملوين، ومستغرقاً جديد النصر على كر الجديدين، ليعم الأقاليم السبعة بسلطانه وإحسانه فيغمرها، ويملكها بأعوانه وأوليائه فيعمرها.
الدعاء على أعداء الدولة
سألت الله أن يصرف وجوه الرزايا، ويعكس رقاب المنايا، إلى أضداد دولته، وكفار نعمته، فلا يخلو أحد منهم من فجيعة وجيعة، وملمة أليمة، تشغلانه بنفسه، وتكلانه إلى خذلانه ونحسه، وتغنيان مولانا عن أن ينزع سهماً من كنانته، أو يشهر سيفاً من أسياف نقمته. لا زال مولانا واطئاً بسنابك خيله قمم منابذيه. مغمداً سيوفه في رقاب مخالفيه، زاد الله أعداءه سقوط مواقع، وهبوط مواضع، ونحوس طوالع، وحتم على كل مشاق لكلمته، محاد لدعوته، أن يكون الموت في رق الذل أهنأ مشارعه، وأقرب موارده، والله يجعل أعداء دولته، صرعى صولته، ومشاقي كلمته، جزر نقمته. لا زال أعداؤه تلفظهم ظهور الأرض، وتقبلهم بطون الترب. لا زال منابذوه حصائد سيوفه، ورهائن خطوب الدهر وصروفه.
استقرار الدار بالسلطان وما يتصل بذكر ذلك من الأدعية
أقبل مولانا فأقبلت به الدنيا المولية، وامجلت الظلمة المستولية. كأن حلوله بمركز عزه ومقر ملكه. حلول الديمة الوطفاء، غب السنة الشهباء، والنور المنتشر، بعد الظلام المعتكر. انحسرت الغمة بلألاء جبينه، ودرت النعم من أخلاف يمينه. عاد إلى سرير ملكه، ومقر عزه، على الطائر الأسعد، والجد الأصعد. فتوجهت الرغبات إلى الله في أن تقرن بذلك من الحبرة بأخضرها، ومن السعادة بأنضرها. هنأ الله مولانا أوبته إلى منشإ عزه، ومستقر ملكه. على أفضل ما وعدت به الطوالع السعيدة عند نهضته، ودلت عليه البشائر الحميدة في سفرته. أتت البشائر بعود مولانا إلى دار سلطانه المعمورة بنضارة أيامه. قد أعطته المطالب قيادها، ووطأت له المناجح مهادها عاد مولانا إلى السرير مستقراً على غاربه، حامياً لجوانبه، قد دانت له الطوائف، وأمن به الخائف، وضم النشر، ولم الشعث وأشرقت الأرض وتباشر البشر.
آخر كتاب السلطانيات وما يقع في أبوابها، ولله الحمد.
كتاب الشوارد والفوارد

رد مع اقتباس