تطل علينا ذكرى الإسراء والمعراج .. هذه الرحلة المعجزة التى تثير عجبنا وإعجابنا كلما قرأنا عنها أو سمعنا .. ومن أحداثها تفوح فى نفوسنا المتعبة رائحة السكون والأمان ..
** حدثت هذه الرحلة المعجزة فى ليلة من ليالى العام العاشر من البعثة الشريفة .. ذلكم العام المسمى بعام الحزن لوفاة أبى طالب .. ووفاة السيدة خديجة بعده بخمسين يوماً تقريباً ..
وفقد الحبيب صلى الله عليه وسلم المعين والأنيس .. ووجد عليهما وجداً شديداً .. وأسرفت ٌقريش فى النيل منه الإسراف كله .. فخرج إلى الطائف علّه يجد من يعينه على تبليغ دعوة ربه .. وكان من سفهاء الطائف ما كان ..
وبحساباتنا نحن فإن هذه الأحداث وبهذه الأسباب المتاحة تشى بأن بينه وبين النجاح فى أمره من البعد مابين المشرق والمغرب .. وأن أمر الدعوة سوف يثقل على نفسه الشريفة ..
ولكن حساباته الشريفة كانت فحسب ناتجة من إحساسه بالرغبة الملحة فى نشر دعوة ربه ..
رغم ذلك الألم النفسى الكاثر الذى ألمّ به .. وذلك العبء الذى يرزح تحته ..
وكان لابد له من الحديث إلى غيره .. و لم يكن أمامه سوى ربه عز وجل ففزع إلى رحابه يبثه آلامه ويفضى إليه بأحماله .. وكان سبحانه وتعالى أعلم بخبره منه .. وكى يسرى عن نفسه الحساسه كافأه برحلة الإسراء والمعراج .. لكأنه تعالى يقول له :
ـــ أيها الحبيب لئن ضاقت بك الأرض فان ملكوتى فى السماء يحتفى بك ويرحب .. وأننى ناصرك وأنف الشدائد من حولك راغم ..
فيحدثنا صلى الله عليه وسلم :
(( أتيت بالبراق ، فركبته ، حتى أتيت بيت المقدس ، فربطه بالحلقة التى يربط فيها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت ، فجاءنى جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن .. فقال جبريل :
اخترت الفطرة .. )) صحيح أخرجه مسلم ( 1 \ 145 )
الحديث طويل .. أخبرنا فيه صلى الله عليه وسلم عن لقائه بالأنبياء ، وكيفية فرض الصلاة مباشرة ومن غير وسيط ..
وأنكر عليه المشركون قدرته على الرحلة والعودة فى نفس الليلة .. وتناسوا أن الفاعل هو الله (( سبحان الذى أسرى بعبده .. )) الإسراء ( 1 )
ولو كان الفعل يتناسب مع قدرة الفاعل فإن الفاعل هو الله ..
وراحوا يسألونه دليل صدقه .. فطلبوا منه وصف أشياء لم يتثبت منها .. ويصف صلى الله عليه وسلم عسر الأمر وكربته فيقول :
(( لقد رأيتنى فى الحجر وقريش تسألنى عن مسراى ، فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط ... )) صحيح أخرجه مسلم ( 1 \ 156)
فماذا حدث يارسول الله ؟؟
رفع الله عز وجل له بيت المقدس إلى مكة فراح يصف كل شىء يسألونه عنه بدقة ..
وكان بينهم من سافر إلى بيت المقدس ، وخبر المسجد جيداً .. وقالوا :
ــــ أما النعت فوالله لقد أصاب .. !!
ولم ترشد قريش للحق وشردت عن الصواب ..
** وبعد فإن الإسراء والمعراج ليست مبالغة مؤرخين .. ولا أوهام مسلمين .. ولكنها حقيقة وقعت ، وقد وعت أذن التاريخ الإسلامى العظيم لها فتلبث يملأ سمعه منها ثم سارع إلى تسجيلها كمعجزة شريفة أرحب من الفكر والخاطر .. وأوسع من الكلمة والمعنى... (1)
****
ومن وراء أكثر من أربعة عشر قرنا من عمر الزمان تطل علينا ـــ كل عام ـــ ذكرى الإسراء والمعراج لتقول :
ـــ أنه قد أسرى بالنبى صلى الله عليه وسلم ـــ يقيناً ـــ روحاً وجسداً قال تعالى :
(( سبحان الذى أسرى بعبده ))
وكلمة العبد تعنى : الجسد والروح ...
ولئن كان الإسراء بالروح فحسب لما كانت هناك حاجة للبراق ..
وقيل : أن كلمة البراق مشتقة من البرق .. وكان البراق يسير بقوة الله ..
ولئن كانت القوة تتناسب تناسباً عكسياً مع الزمن (كما أثبتت الحقائق العلمية )
اى أنه كلما ازدادت القوة قل الزمن .. فإن القوة هناك كانت قوة الله المطلقة ..
لذا استغرقت الرحلة أقل حيز من الزمن ..
واذا أهبط الله عز وجل عبدين من السماء هما آدم وحواء .. فما الغرابة فى أن يرفع عبدين إليها هما عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ..؟؟!!
*****
تطل علينا الذكرى الميمونة لتقول :
ـــ بأن صلاة النبى صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء لها دلالتان :
الأولى : أن دين الله واحد .. قال صلى الله عليه وسلم :
( الأنبياء أخوة ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد )
والثانية : أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة .. وأنه دين الفطرة كما أخبر جبريل عندما اختار الحبيب صلى الله عليه وسلم اللبن دون الخمر ..
****
تطل علينا صائحة فى المتثاقل عن الصلاة :
ـــ صل قبل ألا تستطيع أن تصلى ..
أما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه رأى ـــ فيما رأى ليلة أسرى به ـــ أناساً ترضخ رؤوسهم بالحجارة فسأل جبريل عنهم فأخبره أنهم الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة .. ..............
** ياهذا فرضت الصلا ة فى السماء دليلاً على عظم فضلها ورفعة قدرها .. وأننا أثناء الصلاة ندع ونودع شهوات الدنيا لأن أرواحنا تعرج إلى هناك .. وأن إقامتها بحقها وعلى وقتها يرفع قدر صاحبها ......
** تطل صائحة فى المغتاب :
ـــ تب عن أكل لحوم الناس قبل ألا تستطيع أن تتوب .. أما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه رأى أناساً لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم .. ولما سأل جبريل أخبره أنهم الذين يأكلون لحوم الناس ، ويخوضون فى أعراضهم .............
** تطل صائحة فيمن لايخرج زكاة ماله :
ــ أد حق الله فى مال الله قبل أن تملأ بطنك بالضريع ـــ نبات له شوك ـــ ولا تجد ماتقتات به غيره .. أما رأى صلى الله عليه وسلم أناسا يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع .. وعندما استفسر من جبريل عن هوياتهم .. أخبره أنهم الذين لايؤدون زكاة أموالهم ..........
صائحة فى كل زانٍ :
ـــ ألا تتوب .. أما أخبرك حبيبك صلى الله عليه وسلم أنك إن لم تتب سوف تأكل اللحم النتن الخبيث .. بينما اللحم الطيب الشهى بين يديك .. لأنك تترك الحليلة الطيبه وتلهث خلف الخليلة النتنة .. ألاتتقزز .. أما آن لنفسك أن تعف النتن .. ؟؟
*****
تطل علينا هاتفة فى التنابلة الكسالى :
ـــ افعلوا شيئا لدين الله .. ليس الجهاد أو التضحية بالبندقية فحسب .. إنما تتعدد الوسائل والطامح إلى التضحية لايعدم الوسيلة .. أما استشعرنا بركة الجهاد والتضحية لما أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنه رأى أناسا يزرعون يوما ويحصدون يوما .. ولما استفسر من جبريل
عن ذوى هذا الحال المبارك .. قال :
(( هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله .. يخلف الله عليهم ما أنفقوا ))
******
فى تلكم الليلة الميمونة رأى النبى صلى الله عليه سلم الكثير من الصور .. نكتفى بما سقناه لننصت إلى ذكرى الإسراء والمعراج التى تطل علينا متسائلة :
ـــ لماذا لم تتم الرحلة من المسجد الحرام إلى السماء مباشرة ؟؟
ـــ وما المغزى من الاسراء بالنبى صلى الله عليه وسلم أولا إلى بيت المقدس ..؟؟
لبيان أهمية بيت المقدس لأمة محمد صلى الله عليه وسلم .. فاذا كانت مكة رمزاً للإسلام
فإن بيت المقدس رمزاً لحال المسلين ضعفاً وقوة ..
قويت الأمة أيام عمر رضى الله عنه فحررت بيت المقدس ..
وتبدلت أحوال الأمة من قوة إلى ضعف فاحتل بيت المقدس ..
وقيض الله للأمة قائداً ربانياً هو صلاح الدين .. فجمع شملها وحرره ..
****
تطل علينا الذكرى الميمونة هاتفة :
ـــ افعلوا شيئا من أجل الأقصى الذى يقبع جريحاً خزياناً ينزف دماءه وكرامته من دماء وكرامة المسلمين .. يتساءل :
ـــ كيف هان دمى عليكم ..؟؟
فكيف بالله هان ..؟؟!!!
لاتحمل من أجله سلاحاً ..
ولكن .. صل من أجله .. أطلق من أجله أدعيتك ..
تبرع أسبوعياً ولو بجنيه .. بريال .. بدينار .. بدرهم ..
** الله عز وجل لايتخلى عن المؤمنين به الدعاة إليه .. أما ترى كيف رفع بيت المقدس للنبى صلى الله عليه وسلم فى حال كربته .. ؟؟
** تطل علينا لترشدنا إلى .. أمانة تبليغ العلم وإن كره الناس .. ألا ترى مافعله صلى الله عليه صبيحة ليلة الإسراء ؟؟
** تطل علينا لتعلمنا أن الساعات العسيرة تفرز الرجال .. أما صرح سلوك أبى بكر رضى الله عنه صبيحة ليلة الإسراء بهذا المعنى ؟؟
****
06-18-2011, 05:51 PM
بين الأقصى والإسراء والمعراج
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
