اشترك الان
 

العودة   منتديات الشبول سات > المنتديات الاسلامية الشاملة > القرأن الكريم والأحاديث النبوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-27-2011, 06:18 PM
الصورة الرمزية خالد الشبول
خالد الشبول خالد الشبول غير متواجد حالياً
 





معدل تقييم المستوى: 20 خالد الشبول في إبداع مستمرخالد الشبول في إبداع مستمرخالد الشبول في إبداع مستمرخالد الشبول في إبداع مستمرخالد الشبول في إبداع مستمر
افتراضي الصدق والكذب في القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصدق والكذب في القرآن
مِن الإشكاليَّة المعرفيَّة تحييدُ ماهية ما يوسم بالصِّدق وما يُراد به الكذِب، وتقعيد الفاصِل بيْن الخَطأ والكذِب، ورجوعًا للكتاب المبين، نتلمَّس دقائق البيان في تمييز صُور الكذِب ومراتبه، وإعجاز البَلاغ في تجليةِ الفارق بيْن الصحيح والصادِق، والخطأ والكذِب، وهنا نحاول وضْع خريطةٍ مفاهيميَّة للمرادفات، ثم نتتبَّع دَلالتها الاستعماليَّة القرآنية؛ كيما تتَّضح بأصدقِ البيان.
مفهوم الصِّدق: الصاد والدال والقاف، أصلٌ يدلُّ على قوَّة في الشيء قولاً وغيره.
من ذلك الصِّدْقُ: خلاف الكذِب؛ سمِّي لقوَّته في نفْسه؛ ولأنَّ الكذِب لا قوَّة له، وأصْل هذا مِن قولهم شيء صَدْقٌ؛والصَّداق: صَداق المرأة؛ سُمِّي بذلك لقوَّته وأنه حقٌّ يَلْزَم[1]. أي: صُلْب.
ويُسمَّى كذلك الصّدق: الشِّدَّة[2]، والصَّداقةوالمُصادَقَةُ: المخالَّة، والرَّجُل صَدِيق، والأنثى صَدِيقَة، والجمْع أصدقاء، والصِّدِّيق الدائم التصديق[3].
يقال: تمرُّ صَادِق الحلاوة: شديدها، وهو صادِق الحُكم: مخلصٌ فيه بلا هوى.
والصَّدْقُ: الكامل من كلِّ شيء، ورُمْحٌ صَدْقٌ: مُسْتَوٍ صُلبٌ، ورجل صَدْق اللقاء: ثبْتٌ فيه.
والصِّدْقُ: مطابقة الكلام للواقِع بحسب اعتقاد المتكلِّم[4]، ومِصْدَاق القول: حقيقتُه[5].
ورَد الصِّدق في القرآن الكريم بمشتقَّاته في (127) موضعًا، في كتب الوجوه والنظائر دُرِس لفظ "الصادقين"، ولم نجد "صدق"، لكن بتتبُّع مواضع اللفظ، تجمَّع لنا معانٍ من مشتقات وردتْ في القرآن الكريم، وهي:
1- الصِّدْق: في قوله - تعالى -: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ﴾ [الزمر: 32]، فلمَّا ذكر الكاذب والمكذب مع جنايتِه وعقوبته، ذكَر الصادق والمصدِّق مع ثوابه[6].
فهنا الصِّدق ذُكر مقابلاً للكذب، وكان اللفظ بصيغة المصدر، وهو كتاب الله تعالى الذي جاءَ به الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهنا وصف الوحي وشرع الله كله بالصِّدْق[7].
وورد بصيغ: (صِدْقًا، صِدْقُهم، صِدْق).
2- صدَّق: وهذا بصيغة الفِعل ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 33]، وهنا مِثل ما سبقَها خلاف الكذِب، والتصديق يكون بالاتِّباع، فلا يُسمَّى المصدِّق مصدِّقًا بمجرَّد اعترافه بصحة الادِّعاء، ولكن باتباعه للدعوة، بدليل قوله تعالى عن إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 103 - 105]، فجعله مصدِّقًا بمجرَّد العزم وإنْ لم يذبْحه[8]؛ فإبراهيم - عليه السلام - لما رأى الرُّؤيا لم يُكَذِّبها، بل صدَّقها لكن لم يُوصَفْ بالصِّدق، حتى عزَم على تطبيقها.
وورد بصيغة: مُصَدِّق، صَدَّقْت، المُصَدِّقين، تَصْدِيق، صَدَق.
3- صَادِق: بصيغة فاعل: ﴿ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23]، فالصِّدق هنا كان في الدعوَى، لكن الله تعالى طلب إثباتَه بالفِعل، والمتَّقون قاموا بما أُمروا وانتهوا عمَّا حُرِّم عليهم فوُصِفوا بالصدق، فكان الالتزام بالشريعة علامةً على الصدق.
ورد في صِيغ: صادق، صَادِقُون، صَادِقين، الصَّادِقات.
4- أصدق، صَدَق: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [الزمر: 74]، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ﴾ [النساء: 122]، فالصِّدق هنا وصْف للقول، وهو بمعنى الوفاء بالوعْد في الآية الأولى، وجاء اللفظ بصيغ: أَصْدَق، صَدَق.
5- الصِّدِّيق: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 41]، فالصدِّيق هو الكثيرُ التصديق والقويُّ في إيمانه، أو الكثير الصِّدق، وكلاهما يجتمعان في الخليل - عليه السلام -[9] غير أنَّ الصِّدِّيق أعلى درجةً من الصادق، يلاحظ في قوله تعالى عن إسماعيل: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا ﴾ [مريم: 54]، وصفه بالصِّدق مع كون جميعِ الأنبياء كذلك، لكن خصَّه بالذِّكْر؛ لاشتهاره به وصِدقه مع أبيه في تحمُّل الذبح[10]، فإبراهيم - عليه السلام - جمَع الله له بين الصِّدِّيقيَّة والنبوَّة.
والصِّديق: الصادِق في أقواله وأفعاله وأحواله، المُصدِّق بكلِّ ما أُمِر بالتصديق به، وذلك يستلزم العلمَ العظيم الواصل إلى القلْب الموجب لليقين[11]، وجمع لإسماعيل بيْن الرِّسالة والنبوَّة، فالأولى تَقْتضي التبليغ، والثانية تقتضي إيحاءَ الله له، وإبراهيم - عليه السلام - أعْلى مقامًا من ابْنه إسماعيل؛ فهو مِن أُولي العزْم، فكانتْ صِفاته أرفعَ مِن صفات ابنه، كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾ [البقرة: 253].
ورد اللفظ بصيغ: الصِّدِّيق، صِدِّيقة، الصِّدِّيقون، صِدِّيقًا، الصِّدِّيقين.
6- الصَّدِيق: ﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾ [النور: 61]، فالصديق أُذِن له هنا في الأكْل مِن دون إذن؛ لأنَّ العادة جرَتْ معه بالمسامحة في الأكْل من بيت صَديقه، والمصادقة من المحبَّة والخلَّة التي تُذْهِب الكلفةَ، وتُضفي التسامُح بين الأصدقاء، وورد اللفظ: صديق، صديقكم، صديقًا.
7- الصَّدَقات: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [البقرة: 196]، والصَّدقة ما أُعطي في ذات الله للفقراء.
ورَد اللفظ بالصِّيغ: الصَّدَقات، صدقاتكم، صدقاتهن، الصَّدقة.
8- الصَّدَاق: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ [النساء: 4]، والصَّداق: هو مهْر المرأة.
مِن ذلك نلاحظ أنَّ الصِّدق والكذِب أصلهما في القول، ماضيًا كان أو مستقبلاً، وعْدًا كان أو غيْره.
ولا يكونان بالقصْد الأوَّل إلاَّ في القول، ولا يكونان في القول إلاَّ في الخبر دون غيرِه مِن أصناف الكلام؛ ولذلك قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ﴾ [النساء: 122]، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، ﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ﴾ [مريم: 54].
وقدْ يكونانِ بالعَرْض في غيره مِن الكلام كالاستفهام والأمرِ والدُّعاء.
فالصدق مطابقةُ القول للضمير والمُخْبَر عنه معًا، ومتَى انخرَم شرْط مِن ذلك لم يكن صِدْقًا تامًّا، فإمَّا أن يُوصَف بالصِّدق أو بالكذِب، أو لا يُوصَف بأحكامها لعدمِ كمال المطابقة[12]؛ أي: مطابقة القول والخبر، فالإنشاء لا يُوصَف بالصِّدق ولا بالكذِب، والخبر وحْده هو الذي يُسمح فيه بالوصفَين أن يُقال: "مطابقة الحُكم للواقِع"[13].
كما عرَّف البعض الصدق بأنَّه إخبارٌ عن المخبَر به على ما هو به مع العِلم بأنَّه كذلك، وفي قوله تعالى: ﴿ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [المجادلة: 14]، هذا التقييد دليلٌ على أنَّ الكذب يعمُّ ما يعلم المُخْبِر عدم مطابقته وما لا يعلم، ولا واسطة بينهما، وهو كلُّ خبَر لا يكون عن بصيرة المخبر عنه، فيكون افتراءً، والافتراء أخصُّ مِن الكذب.
فالصِّدق في القرآن كان وصفًا للقول والكلام، وهو مخالِف للكذب، لكن في القرآن وصف الفعل كذلك بالصِّدق، حيث جعل دليلاً عليه، فالصِّدق في الوعْد هو مطابقة الكلام للفِعل، والتصديق ورد في القرآن بالاتِّباع العملي؛ لذا لم يوصفْ إبراهيم - عليه السلام - بتصديق الرُّؤيا أوَّل ما أقرَّ أنها حق، بل حتى عزَم على الفعل، ما وصف المنقول صدقًا في قوله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ [الزمر: 33]، فهنا الفاعِل هو محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبو بكر - رضي الله عنه - وقيل: المؤمنون كافَّة.
فوصف الوحي بأنَّه "صِدق" مِن قرآن وسُنَّة؛ أي: إنَّ الأوامر والنواهي وصفتْ بالصِّدق؛ لأنَّها على استقامة وصلابَة منهج، والتصديق بأوامرِ الله يكون باتِّباعها.
ورد لفظ الصديق في القرآن الكريم على أنَّه مِن علامات المحبَّة التي تُذْهِبُ التكلُّف، بجواز دخول البَيت والأكْل معهم أو دونهم[14].
فصلابةُ العلاقة واستقامتها تُبيح للطرَفين ما لا تُبيح لغيرهما مِن العلاقات؛ لأنَّ الصِّدق في المحبَّة والأقوال والأفْعال يرفع الحواجِز بيْن الطرفين ويَتنازل كلٌّ منهما عن بعضِ حقوقه للآخَر.
أمَّا الصدقات، فهنا انتقل الوصف إلى المادي؛ حيث كان كلُّ مال قُدِّم لوجه الله تعالى بنيَّة صادقة ومخلِصةٍ - صدَقةً، فانتقل المعنى المعنوي للنيَّة إلى المال، وهو مِن علامات الاستقامة مع الله تعالى والقُرْب منه.
ثم نُقِل المعنى إلى العَلاقة الماليَّة للزواج بيْن الرجُل والمرأة، فسُمِّي المال المقدَّم للزوجة - وهو المهر - بالصَّداق، حيث أخذ معنَى الصلابة؛ لينتقل إلى الميثاق بيْن الزوجين والاستقامة في القصْد مِن الرجل نحو المرأة، فكان صِدق الفِعل بإعطاء الحقِّ المشروع للمرأة.
نخلُص إلى بعض النقاط الجامِعة لما سلَف:
1- الصدق هو الكامل مِن كلِّ شيء؛ لذا كان مِن أوصاف ما نزَل على الأنبياء أنَّه صدق لكماله.
2- التصديق في القرآن الكريم لا يكون بإقرارِ صحَّة القول فقط، لكن بالالتزام به.
3- الصِّدق في القرآن الكريم في القول هو الإخبار عن مُخْبَر كما هو في الواقع، مع العِلم بأنَّه كذلك، ومطابقة الضمير له، فزاد شرْط العلم.
4- الصِّدق في القول بمجانبة الكذب، وفي الفِعل بإتيانه وعدم الانصراف عنه قبلَ إتمامه، وفي النيَّة العزم والثَّبات حتى بلوغ الفِعل، والصِّدق في الذاكرة قوَّتها على الحِفظ.
5- الصديق مَن صدق النيَّة في المحبَّة والمعاملة.
6- الصَّدقة كل مال صدق التوجه به إلى الله تعالى.
مفهوم الكذب: الكاف والذال والباء، أصلٌ صحيح يدلُّ على خلاف الصدق، وتلخيصه أنَّه لا يبلغ نهاية الكلام في الصِّدق.
وكَذَّبه نسَبه إلى الكَذِب، وكَذَب عليك الأمر: وجَب عليك[15].
وله مشتقَّات عدَّة منها: كِذْبة، وكَذْبَة، كِذَاب، كِذَّاب، ويقال: كاذِب وكَذَّاب وتِكِذَّاب، ومَكْذَبانَةٌ وكُذُبْذُبان، والأُكْذُوبة والكُذْبى والمكْذُوب والمكْذَبَة، والكَذوب.
و المَكْذُوبَة: المرأة الضَّعيفة[16].
وكَذَبَ لبَن الناقة؛ أي: ذهب[17].
وكَذَبَت العين: خانها حِسُّها، وكَذَب الرأي: توهم الأمْر بخِلاف ما هو به.
وكَذَبَتْهُ نَفْسُه: مَنَّتْه بغير الحق، وكَذَّب إذا حمَل على العدوِّ: جَبُنَ في القتال.
ويأتي بمعنى الخطأ؛ لأنه يشبهه في عدم الصواب، وإن افترقَا من حيث النيةُ والقصد[18].
ورد لفظ الكذب في القرآن الكريم في (251) موضعًا، على (6) أوجه[19]، وهي:
1- النفاق: في قوله: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1].
2- القذف: ﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النور: 7].
3- الرد: ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ [الواقعة: 2]؛ أي: ليس لها راد.
4- الجحود: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11].
5- التكذيب: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ﴾ [ق: 5].
6- الافتراء: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ﴾ [الزمر: 60].
فالكذِب هو إخبارٌ بما لا يُطابق الواقع[20]، فيكون الكذب متعلقًا بالقول على وجه أخص بالخبر دون سائرِ صِيغ الكلام[21].
نجِد في القرآن الكريم أنَّ الله تعالى وصَف النفاقَ بالكذب، فكان معنى الكذب واقعًا على الحال، حيث إنَّ حالهم من أقوالهم وأفعالهم يخبر بخلاف ما في ضمائرهم، وعكس ما يقرُّ في قلوبهم، فالنِّفاق إظهارُ الخير وإبطان الشر، ويدخُل في هذا الاعتقادي منه والعَملي.
والأول: هو ما ذُكِر في الآية، وهو مُخرِج من الملَّة، فالمنافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]، ثم وصفَهم تعالى بالخداع، وهو مِن سلوكيات النِّفاق؛ بأن يسلك الفردُ وجهةً وهو يريد أخرى؛ ليتمكَّن من مقصوده، بعدَها وصفهم بأنهم مرْضى القلوب، بالشكِّ والشبهات والشهوات المُرْدِية، ثم ختَم كل تلك الصفات بقوله تعالى: ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10]، فادِّعاؤهم الإيمانَ حالاً ومقالاً كان كذبًا وخلافًا لواقعهم.
ثم نجِد الله تعالى يتوعَّد مَن كذبوا عليه يوم القيامة، وهؤلاء ادَّعوا بأنَّ لله شركاءَ وصاحبةً وولدًا، لكن إذا أجرينا عليهم تعريفَ الكذِب الأوَّل، ففي مفهوم الآية الْتِباس؛ حيث فُقد شرْط، وهو مطابقة القول للاعتقاد، فهُم اعتقدوا ذلك اعتقادًا جازمًا؛ لذا لا يصحُّ التعريف اللُّغوي عليهم بأنْ يُوصفوا بالكذِب، بل يُوصفون بالخطأ أو الضلال، لكن في آية أخرى قال تعالى: ﴿ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [المجادلة: 14]، وفي هذا القيد أنَّ الكذب هنا يشمل ما يعلم الكاذب أنَّه كذب وما لا يعلم، فيكون خلافه - وهو الصِّدق - إخبارًا عن المخبَر به على ما هو به مع العِلم بأنَّه كذلك، فالكاذب على الله قال عنه بغير عِلم، وهذا مِن أكبر الكبائر، بل هو أكبرها، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 75]، وهذا أعْظم مِن القول على الله بغير علم، أمَّا ما بقِي على بابه فكان في قوله تعالى عنِ القاذف للمحصنة: ﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النور: 7]؛ أي: يَزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة، مؤكِّدًا تلك الشهادات بأن يدعوَ على نفسه باللعنة إنْ كان كاذبًا، فإذا تَمَّ لِعَانُه سقَط عنه حدُّ القذف[22]، فالكذب هنا كان: فيما رَمَاهَا به مِن الزِّنا[23].
نجِد أنَّ التكذيب - وهو وصفٌ للقول بالكذب - كان للسانِ والقلْب والفعل.
فالأوَّل: ورَد في قوله تعالى: ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا ﴾ [النبأ: 35]؛ أي كَذِبًا، وهي لُغة يمانيَّة فصيحة[24].
والثاني: وهو بالقلْب في قوله تعالى: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]؛ أي: لم يتوهَّم ولم يَرُدَّه، ففؤاد محمَّد - عليه الصلاة والسلام - صادق، فتكون عينُه أصدق، وهذا هو المعتاد عندَ البشر[25].
والثالث: في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ [الواقعة: 2]؛ أي: مكذبة، وقوعها لا شكَّ فيه؛ لأنَّها قدْ تظاهرتْ عليها الأدلَّة العقليَّة والسمعيَّة، ودلَّتْ عليها حِكمتُه تعالى[26].
وقد وردتْ صِيغ للكذِب في القرآن الكريم، منها:
1- الإكْذَاب: في قوله تعالى: ﴿ حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِّبُوا ﴾ [يوسف: 110]، قالت عائشة - رضي الله عنها -: حتى إذا استيئس الرسل ممّن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذَّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك، وتقرأ بالتخفيف، وهي عند عاصم وحمزة والكِسائي: كُذِبُوا، رُوي عن ابن عباس: كانوا بشرًا، قال أبو منصور: إنْ صح هذا عنِ ابن عباس فوجهه عندي - والله أعلم - أنْ الرسل خطَر في أوهامهم ما يخطُر في أوهام البشَر من غير أن يكونوا حَقَّقُوا تلك الخواطرَ ولا ركنوا إليها، ولا كان ظنُّهم ظنًّا اطمأنوا إليه، ولكنَّه كان خاطرًا يَغْلِبُه اليقين، وهذا متجاوَزٌ عنه.
2- كَاذِبَة: ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ [الواقعة: 2]؛ أي: ليس يردُّها شيء، كما تقول: حَمْلَةُ فلان لا تَكْذِب؛ أي: لا يَرُدُّ حملتَه شيء، وهي مصدر، فهي اسمٌ وُضِع موضعَ المصدر.
3- كِذَّابا: ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا ﴾ [النبأ: 35]؛ أي: لا يُكذِّب بعضُهم بعضًا، وهي لغة يَمانية فصيحة، ووردتْ كذا في قوله تعالى: ﴿ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ﴾ [النبأ: 28].
4- كذب: في قوله تعالى: ﴿ وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ [يوسف: 18]؛ لأنَّ يعقوب - عليه السلام - لما رأى القميصَ قال:كذبتُم؛ لو أكَلَه الذئب لمزّق قميصه.
قال الفرَّاء: بدم كذب، معناه مكذوب، والعرَب تقول للكذب: مكذوب، وللضَّعف: مضعوف، وللجلد: مجلود، فيجعلون المصادرَ في كثيرٍ مِن الكلام مفعولاً[27].
فالكذِب هو الإخبار عن الشيءِ بخلاف ما هو مع العِلم به، وقصد الحقيقة، فخرَج بالأوَّل الجهْل، وبالثاني المجاز[28]، وهو يعمُّ ما يَعلم المخبر عدم مطابقته وما لا يَعلم؛ بدليلِ التقييد في قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [آل عمران: 75] بقوله: ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 75]، ويستعمل "الكذب" كوصفٍ غالبًا في الأقوال، والحقُّ يكون في المعتقدات.
نخلص إلى نِقاط جامعة لما سلف:
1- يقال "الكذب" في المقال والفِعال والاعتقاد.
2- قد يُنسب "الكذب" إلى نفْس الفِعل كقوله تعالى: ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ ﴾ [العلق: 16].
3- ما جاء في القرآن غالبه في تكذيب الصادِق نحو: ﴿ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ [النبأ: 28]، ﴿ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ [المؤمنون: 26]، ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ﴾ [الحاقة: 4]، ﴿ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [القمر: 3]، بعدها قال: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ﴾ [القمر: 4]، و﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴾ [القمر: 9]، بعدها: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ ﴾ [القمر: 18]، ثم: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ﴾ [القمر: 23]، ثم: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ ﴾ [القمر: 33]، وفي الرحمن: ﴿ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 13] (31) مرَّة.
4- كَذَّب تكذيبًا؛ أي: أنْكر وجحد، أما كَذَّبَه فجعله كاذبًا في كلامه أو حاله، فالأوَّل متعدٍّ بالباء والثاني بنفسه؛ ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11].
[1] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس (2/ 36).

[2] القاموس المحيط، الفيروزآبادي (ص: 900).

[3] مختار الصحاح، أبو بكر الرازي (ص: 181).

[4] المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية (1/511).

[5] لسان العرب، ابن منظور (10/ 149).

[6] - تيسير الكريم الرحمن: السعدي. ص 690.

[7] - زبدة التفسير: سليمان الأشقر. ص 610.

[8] - المرجع نفسه: ص 593.

[9] - زبدة التفسير: سليمان الأشقر. ص (400، 401).

[10] - المرجع نفسه: ص (400، 401).

[11] - تيسير الكريم الرحمن: السعدي. ص 467.

[12] - المفردات: الأصفهاني. ص 280.

[13] - التعريفات: الجرجاني. ص 151.
- أي: إن الصدق التام هو المطابقة للخارج والاعتقاد معًا، فإن انعدم واحد منهما لم يكن صدقا تامًّا، بل إما ألاَّ يوصف بصدق و لا كذب؛ أي: الذي لا قصد له؛ وإما أن يقال له: صدق وكذب، باعتبارين؛ وذلك إن كان مطابقًا للخارج غير مطابق للاعتقاد أو بالعكس كقول المنافقين: ﴿ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾ [المنافقون: 1]، فيصح أن يقال لهذا: صدق؛ اعتبارًا بالمطابقة لما في الخارج، وكذب لمخالفة ضمير القائل، ولهذا أكذبهم الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]. - الكليات: الكفوي. ص 556.

[14] ورَد عن الأدباء أنَّ مِن علامة الصَّديق أن يكون لصديق صديقه صديقًا، وقسَّمها البعضُ إلى ثلاث درجات، هي:
1- الصَّداقة القائمة على اللذة.
2- الصَّداقة القائمة على المنفعة.
3 - الصَّداقة القائمة على الخير.
المعجم الفلسفي، جميل صليبا (1/721).

[15] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس (2/428).

[16] القاموس المحيط، الفيروزآبادي (ص: 129).

[17] مختار الصحاح، أبي بكر الرازي (ص: 275).

[18] - لسان العرب: ابن منظور. ج5، ص 3841.

[19] - إصلاح الوجوه والنظائر: الدامغاني. ص (401، 402).

[20] - التعريفات: الجرجاني. ص 210.

[21] فالكذب إخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه مع العلم بحقيقته وواقعه.
- الرائد : جبران مسعود. ج2، ص 1232.

[22] تيسير الكريم الرحمن، السعدي (ص: 534).

[23] زبدة التفسير، سليمان الأشقر (ص: 457).

[24] لسان العرب، ابن منظور (5/3841).

[25] زبدة التفسير، سليمان الأشقر (ص: 701).

[26] تيسير الكريم الرحمن، السعدي (ص: 796).

[27] زاد المسير، ابن الجوزي (ص: 685).

[28] الكليات، الكفوي (ص: 768).





دمتم برعاية الرحمن وحفظه

 

 

رد مع اقتباس
قديم 06-27-2011, 06:36 PM   رقم المشاركة : 2
اسامه النمراوي
 
الصورة الرمزية اسامه النمراوي






اسامه النمراوي غير متواجد حالياً

اسامه النمراوي سيصبح متميزا في وقت قريباسامه النمراوي سيصبح متميزا في وقت قريب


افتراضي

ابداع متواصل الله يعطيك العافيه

التوقيع

مع متجر الشبول سات
جدد اشتراكك الأن بأقوى سيرفرات الشيرنج و iptv
اسعار مناسبة للجميع وخدمة 24 ساعة

جميع اشتراكات الشيرنج متوفرة
(cccam - newcamd - vanilla - forever - funcam )
جميع اشتراكات iptv
( myhd - marvel tv - ultra iptv - palsat iptv )
(EMPIER - DOCTOR - GOLDEN - belo iptv)

جميع طرق الدفع متوفرة لدينا
اطلب اشتراكك الأن عن طريق التواصل واتساب

https://wa.me/962799423131
او يمكنك الشراء من متجر الشبول سات مباشرة
عبر الرابط التالي
https://shbool-souq.com/
رد مع اقتباس
قديم 06-28-2011, 03:15 AM   رقم المشاركة : 3
مصعب القعاونة
 
الصورة الرمزية مصعب القعاونة





مصعب القعاونة غير متواجد حالياً

مصعب القعاونة سيصبح متميزا في وقت قريب


افتراضي

دائما متميز في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع

دمت ودام لنا روعه مواضيعك
رد مع اقتباس
قديم 06-28-2011, 05:37 PM   رقم المشاركة : 4
ابو فارس
 
الصورة الرمزية ابو فارس





ابو فارس غير متواجد حالياً

ابو فارس على طريق التميز


افتراضي

لك جزيل الشكر على كل جديد ومميز
لك مني أبو فارس أجمل تحيه وتقدير للجهود الجبارة
أرجو منك أن تزودنا بكل جديد لكي لا ننحرم من المرور على صفحاتك
سلمت يداك أخي وسلمت لنا وللمنتدى وأعضائه أشكرك جزيل الشكر
رد مع اقتباس
قديم 05-19-2023, 03:07 AM   رقم المشاركة : 5
عبده فودة
 
الصورة الرمزية عبده فودة





عبده فودة غير متواجد حالياً

عبده فودة على طريق التميز


افتراضي

شكرا لك اخى الكريم
وجزاك الله خيرا

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عودوا إلى القرآن ياأمة القرآن قال تعالى ... عودوا إلى كتاب ربكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خالد الشبول القرأن الكريم والأحاديث النبوية 3 05-21-2023 12:12 AM
صاحب القرآن يرتقي درجات الجنه بقدر مامعه من القرآن خالد الشبول القرأن الكريم والأحاديث النبوية 4 05-21-2023 12:09 AM
برنامج Thumbs up القرآن الكريم بصوت أكثر من 250 قارئ من العالم ... البرنامج يحتوي على القرآن الكريم بصوت أكثر من 250 قارئ rahaf123 القرأن الكريم والأحاديث النبوية 5 05-14-2023 09:51 PM
شكرا وتقدير للسيد خالد **الصدق عنوان السيرفر الخاص بكم** البقعاوي3 قسم رسيفر تايجر TIGER* T HD 1 11-12-2013 03:38 PM
من هم أهل القرآن قطر ندى مواضيع وبرامج دينية عامة 3 10-07-2010 02:17 PM


الساعة الآن 09:35 PM
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.