القنوات العربية للأفلام.. تتحدَّى الحشمة والأخلاق

[محمد المومني]

هل حدث وأن فكَّرت بمنح نفسك قسطاً من الراحة والخروج من الروتين الإخباري الذي اعتَدْتَ عليه في حصاد كل ليلة عبر قنوات الأخبار بعد انتهاء يومٍ حافلٍ بالمتاعب، فوجَّهْتَ "الريموت كونترول" إلى مدارٍ آخر حيث فضائيات الأفلام والمسلسلات العربية لتعدل مزاجك الذي عكَّرتْهُ مشاكل العمل وهمومه؟

لو كنت قد فعلت، فأي فضائيةٍ عربيةٍ صادَفْتَ؟ لا بد وأنك أضعتَ وقتاً طويلاً في مجرد المرور على تلك الفضائيات لتقييم أي فيلمٍ في أيِّ قناةٍ ستتابع تلك الليلة الخاصة، فالمحطة الأولى تعرض فيلماً ساذجاً، والأخرى تعرض فيلماً ماجناً والثالثة بدا فيها اسم الفيلم من بدايته لا يحمل غير رخصٍ وعُريٍ وأفكارٍ فاحشة.. والرابعة والخامسة.. لا اختلاف! في هذه الحالة هل سلَّمتَ للأمر الواقع وأمضيت وقتك في متابعة فيلمٍ وقع عليه اختيارك بالقرعة؟ أم أنك عدت أدراجك حيث قنوات الأخبار كما اعتدتَ؟ أم أن النوم كان الحاسم للموقف؟

"فلسطين أون لاين" ارتأت ضرورة تسليط المجهر على تلك النقطة التي تبرز فيها الأفلام العربية مصدراً للخلاعة والتشويه، لاسيما أن كثيراً من الناس وعلى رأسهم الشباب وضعوا تلك القنوات في قائمتهم "المفضلة".. إلى أي مدىً يمتدُّ خطر تلك القنوات كان محور تقريرنا التالي:
فيلم "الجُمعة".. والشوارعُ خلاءٌ!!

لوعدنا للقديم قليلاً لوجدنا أن الناس غير جديدين على تلك الأفلام، وفيلم "الجمعة" الذي لا زال صدى اسمه يتردّد في ذاكرة الكثيرين أكبر دليلٍ على ذلك، ذاك الفيلم الذي كانت تخلو بسببه الشوارعُ من الناسِ ساعة عرضِه، والذي كانت تعرضه قناة إسرائيل الأولى في وقتٍ قلَّ فيه من حظي بقنوات تزيد عن عدد الأصابع، ولا يخفَى عنا طبيعة تلك الأفلام العربية المسمومة التي كانت تُعرض على تلك القناة والتي لم تكن تخلو من قمة الفساد والهبوط الأخلاقي ببطولة شخصياتنا العربية "للأسف"، علماً بأنها لا زالت تُعرض حتى اليوم ولكن عبر قنوات أفلامٍ جديدة متخصصة.

تطوُّر الرذالة بتقدُّم الزمن!</strong>

لكن المصيبةَ الأكبرَ أنه كلما تقدَّم بنا الزمنُ تقدّمت بالأفلامِ العربيةِ الرذالةُ والإساءة لديننا الإٍسلامي بل ولرسولنا الكريم ولرب الخلق في بعض الأحيان "عافانا"، في الوقت الذي أًصبحنا فيه بأمسِّ الحاجة للرفع من قدر إٍسلامنا بدلاً من دثره بالسموم التي ينفثها كثيرون من فنَّانينا العرب ربما بجهلٍ أو عن غير جهل.

ولو عمدنا لإحصاء تلك الأفلام لما استطعنا لأنها أكثر مما نتخيّل، وكعرضٍ مقتضبٍ للغاية لتلك الأفلام حذار من "طيور الظلام"، و"دم الغزال"، و"بالألوان الطبيعية" وغيرها.. وغيرها.. والتي تعرض على قنوات الأفلام التي خصصت 24 ساعة لعرض الخليع والمهين عبر فضائياتها.

يقول الشاب مراد "24 عاماً":"منذ الصغر وأنا أتابع تلك الأفلام، بالرغم من أن البداية لم تكن برغبةٍ مني بل كان والدي وعمي سببين أساسيين في تَعوُّدي عليها والاستمتاع في متابعتها، إذ كان أول ما يفعلونه عند فتح التلفاز هو البحث عن فيلم عربي وبالذات مصري، فكنت أضطر للمتابعة معهما لتسلية وقتي خاصة وأني لم أكن أحظى بمتابعة برنامجي الكرتوني المفضَّل، الأمر الذي جعل تلك القنوات اليوم في نظري هي أم القنوات الترفيهية والمسلية".

ويضيف مراد:"غالبية الأفلام غير محترمة وهذا لا ينكره شخصٌ، لكن أحداً لم يوقفني أو يوقف أحداً من إخوتي عن متابعتها يوماً أو يقدم لنا النصيحة في الامتناع عن رؤية تلك الأفلام أو حتى التغيير عنها في المواقف المخلة بالأدب والأخلاق خاصة ونحن صغاراً لا نفقه شيئاً".

ويتابع:" إن الخطأ من الأساس يرجع إلى والدي الذي كان هو بالأساس قدوةً سيئةً لنا"!!.

كانت تلك الجملة هي الخاتمة في حديث مراد، لكنها فتحت منافذ كثيرة من الأسئلة.. فهل إلقاء كل اللوم على الوالد عدلٌ وحقّ؟ لا أحد ينكر أن الأبَ صاحبُ دورٍ كبير في هذا الأمر، ولكن ألَيسَ مراد شاب بالغ عاقل قادر على التمييز بين الصحيح والخطأ؟ أوَلَيس الأَوْلَى له أن يصلح نفسه بدلاً من يعلق أخطاءه على شماعة الآخرين؟!
الأطفال والتقليد الأعمى

الأستاذة عايدة كسَّاب الأخصائية النفسية الإكلينيكية وعضو شبكة حماية الطفولة في فلسطين أوضحت أن أول السموم التي تبثها تلك الأفلام بما تعرضه من مواقف مخلَّة بالأخلاق تُغرَسُ وتنتشر بنفس وسلوك الأطفال الأبرياء الذين هم شباب الغد وبناة المستقبل، ليصبحوا معول هدمٍ لا بناء، وتضيف قائلةً:"إن لم يُلقِ الأهل بالاً لأطفالهم ممن هم في سن الرابعة والخامسة والسادسة تقريباً وتركوهم ينظرون للمشاهد المثيرة وبالذات المصوَّرة فإنهم لن يجنوا من أبنائهم غير تقليدٍ أعمى لكل ما يرون".

ثمون كُثُر</strong>

وعلى الصعيد الديني فقد أوضح الدكتور بسام العف أن في تلك المسلسلات والأفلام دعوة خفية تدريجية للابتعاد عن منهج الله تعالى متمثلة في الفجورٍ والتبرج والاختلاط والخلوة والنظرات المحرمة ، ليس هذا فحسب بل في تلك المحطات دعوة لممارسة كل أشكال الفساد.
ولو فكرنا قليلاً على من يقع الإثم في مثل هذه الحالات لوجدنا أن قائمةً كبيرةً من الناس تأثم بسبب تساهلها في عرض تلك الأفلام والمسلسلات وهذا ما أوضحه د. العف متابعاً قوله:"إن الحاكمَ نفسَه الذي لم يمنع المفاسد وكلَّ من يستطيع التغيير بيده (أو بلسانه أو بقلبه الذي هو أضعف الإيمان) من خلال القضاء على تلك الأفلام والمسلسلات الهابطة وامتنع عن ذلك خوفاً من الحاكم أو غيره لهو آثمٌ إثماً كبيراً، ولا ينقص شيءٌ من إثم القائمين على تلك الفضائيات من مخرجين ومعدين وممثلين ومساهمين بأي شكلٍ من الأشكال في بث تلك المفاسد، لأنهم جميعاً تعاونوا على العدوان، الأمر الذي نهى عنه الله سبحانه وتعالى عندما قال:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

ويواصل د. العف:"كذلك فإن دوراً جوهرياً وخاصاً يقع على عاتق المسئولين من الآباء والأمهات في تربية أبنائهم التربية الحسنة بحيث يكونوا قدوةً لأبنائهم في كل فعلٍ وحركةٍ ونظرة وذلك لن يكون إلا بتهويلهم بل تجريمهم لمتابعة تلك القنوات أمام أنفسهم ومن ثم أمام أبنائهم وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وتلك أمانةٌ في الأعناق ومسئوليةٌ أمام الله تعالى".

ويبقى الناظرُ نفسُه لتلك القنوات، فسوء تربية والديه لن تشفع له وتزيل عنه ذنبه في مشاهدتها واستمراء حرامها طالما هو بالغ عاقل قادر، والعين يوم القيامة شاهدٌ عظيم.